لا تُعرف قيمة الشمس بحجم قطرها الهائل ولا بكونها مركز المجرّة، وإنما بذلك النور الذي تنشره في أرجاء المنظومة الشمسية، وبذلك الدفء الذي تبثه في أشكال الحياة على كوكبنا، كما لا تُعرف قيمة العطر بشكل قارورته أو لونه، وإنما برائحته وعبقه الذي ينثره على من قَرُب منه، وكذلك الرجال لا يصح قياس قيمتهم بأسمائهم أو أشكالهم أو شهاداتهم الأكاديمية، وإنما تُعرّفُ قيمة الرجال بمواقفهم، ويوزنون بوقفاتهم عندما تختلط الأوراق وتتشابه الأصوات ويبدأ البعض بالاصطياد في المياه العكرة! يقول عالم النفس الأميركي الراحل إيريك فورم: "إنّ تاريخ الإنسانية هو مقبرة للعديد من الحضارات، التي وصلت لنهاية مأساوية لعدم قدرتها على التعامل المنطقي مع التحديات!" ، وأنا أتفق معه للغاية بهذا الطرح، فقد تسقط الدول والممالك جرّاء غزو خارجي، أو جرّاء شيوع فسادٍ مستفحل واضمحلالٍ داخلي، ولكن أسوأ أنواع السقوط، هو أن يطعن الوطن أبناؤه، وهذا الطعن إمّا بسوء صنيع البعض، أو سكوت البعض الآخر على هذا الصنيع وعدم الأخذ على يده وكفّ شرّه قبل أن يستفحل، ويضيع معه الخيط والمخيط، فالسلبية في موقف الحركة خطأٌ كبير، والسكوت في موطن الكلام ليس ذهباً و لا خشباً، فهو لا يعدو أن يكون تسويغاً للكلام المغلوط وتمريراً للفعل المستشنع، وعندما يسقط الكيان لن يُفيد ساكتاً ندم ولن يُعيد وطناً مُضاعاً ومخذولاً بكاءٌ أو أسف! نحن محظوظون لأنّ الوطن قد شيّده زايد الخير و إخوانه المؤسسون على أرض صلبةٍ خصبة، فنما وأزهر وآتى أُكُلَه بإذن ربه، ومحظوظون لأنّ الراية حملها بعدهم من هو حقيقٌ بها وجدير بحملها، وهو خليفة العطاء وإخوانه الحُكّام حفظهم الله تعالى، فمضت السفينة في طريقها السليم تحفظها بعد حفظ المولى سبحانه حكمة قائدها وبُعد نظرته وصواب رأيه، لذا لم يكن بمستغربٍ تلك الحفاوة الكبيرة، التي استقبل بها الشعب بكافة فئاته كلمة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، عندما قال: "البيت متوحّد"، وهي كلمة موجزة لكنها تحمل الكثير وتعني الكثير، هي ثقة القائد بصلابة الجذور، التي لا تهزّها صوادف الزمن، وسلامة البناء الذي لا تصدّعه أصواتٌ ترتفع هنا وهناك، فهذا البيت المتوحد وُجِدَ ليبقى، وهذا الوطن المتكاتف لن يمر على مسرح البشرية مروراً عابراً. ونحن محظوظون بقيادة شابّة كسمو الشيخ عمّار بن حميد النعيمي ولي عهد عجمان، وهو يقف ليضع النقاط على الحروف عندما يؤكد أنّ أمن الإمارات خطٌ أحمر، فلا لبس في كلام سموّه ولا دبلوماسية في غير موضعها، فكل الأمور تقبل المرونة إلا عندما يتعلق الأمر بأمن الوطن وسلامته، وكم كان مُلفتاً اختيار سموّه لأحد أهم مواقع التواصل الاجتماعي وهو "تويتر" لإطلاق تلك التغريدات الوضّاءة، لذا لم يكن بغريبٍ أن نرى تفاعل قطاعاتٍ عريضة من المتابعين والقرّاء بكلام سموه وإعادة نشره من جديد، فليس الأمر فقط في قوّة التصريح ووضوح فكرته، وإنما كان تأكيدا أن جيل القيادات الشابة، والذي يُعتبر سمو الشيخ عمّار أحد رموزه التي تُعقَدُ عليها آمال الوطن العريضة، هو جيلٌ قد نهل من معين الآباء المؤسسين ثم صَدَر وهو يحمل ذات الفكر النيّر وذات المنهج الأصيل وذات الموقف الذي لا يعترف بالميوعة في وقت الصلابة ولا بالسكوت في موقف الكلام ولا بالتخفّي عندما يكون الظهور واجباً لا جدال فيه! اختيار سموّه لتويتر لم يكن عبثاً أو محض صُدفة ، بل لأنّ هذه المنصّة العالمية للتواصل الاجتماعي قد عَمَد البعض لمحاولة استغلالها في تحقيق مآربه وتسويق أفكاره بتزوير الحقائق وليّ أعناق الوقائع وقلب مسار الأحداث، مستغلاً بذلك تلك المساحة اللامنتهية من الحريّة وانعدام الرقابة الرصينة وبساطة الكثيرين من مرتادي تلك المواقع وسهولة إعادة تشكيل أفكارهم من خلال تكبير بعض الأمور الصغيرة أو قلب حقائق الواقع الفعلية، لذا كان اختيار سموّه لذلك الموقع بالغ الذكاء وبعيد النظرة لعلمه بسرعة انتشار المعلومة عليه واتساع رقعة المنتسبين له، وأنّ الموقع لا بُدّ أن يُستغل للدفاع عن الوطن وللكشف عن تلفيقات الأفّاقين وأكاذيب المرجفين والمترصدين لبلادنا والمتحالفين عليها من مُغرّري الداخل وأبالسة الخارج! إنّ القلب ليطمئن وهو يرى جيل الشباب ينتفض حميّةً وانتصاراً لوطنه، وإن البال ليرتاح وهو يشاهد روح زايد، رحمه الله تعالى، تسري في أوصال أبنائه، فتلك الهبّة العفوية للدفاع عن الإمارات من شبابها على كل وسائل الإعلام ومن خلال كافة مواقع التواصل الشبكي لهي دليلٌ جليٌ بأنّ البيت متوحد كما قال "أبوخالد" حفظه الله تعالى وأنّ الانتماء متجذّر والتعلّق بهذا الوطن متأصّل، وأنّ من يحاول اللعب على هذا الوتر مخطئ لا محالة، فالشعوب العظيمة لا تخذل أوطانها، وكم كان محقاً "ديل كارنيجي" عندما قال: "كل أحمقٍ يستطيع الانتقاد والاحتجاج والشكوى وغالباً ما يفعل ذلك!" ، فالانتقاد سهل والانتقاص من عمل المجتهد في المتناول، ووحدهم الكبار من يبحثون عن أماكن الضوء ليزيدوها ألَقاً، ويبحثون عن مساحاتٍ جديدة ليبنوا عليها دعائم حضارة ويؤسسوا فيها مناراتٍ للمدنية، فالكبار منشغلون برهان القمّة وتحدي المستحيل عندما ينشغل الصغار برمي الحجارة من الخلف!